فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: ببغيه في استعباد بني إسرائيل وقتل أولادهم، قاله قتادة.
الثاني: بكفره وادعاء الربوبية.
الثالث: بملكه وسلطانه.
وهذه الأرض أرض مصر لأن فرعون ملك مصر، ولم يملك الأرض كلها، ومصر تسمى الأرض ولذلك قيل لبعض نواحيها الصعيد.
وفي علوه وجهان:
أحدهما: هو لظهوره في غلبته.
الثاني: كبره وتجبره.
{وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} أي فرقًا. قاله قتادة: فَرّق بين بني إسرائيل والقبط.
{يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ} وهم بنو إسرائيل بالاستعباد بالأعمال القذرة.
{يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ} قال السدي: إن فرعون رأى في المنام أن نارًا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل فسأل علماء قومه عن تأويله، فقالوا: يخرج من هذا البلد رجل يكون على يده هلاك مصر، فأمر بذبح أبنائهم واستحياء نسائهم، وأسرع الموت في شيوخ بني إسرائيل فقال القبط لفرعون: إن شيوخ بني إسرائيل قد فنوا بالموت وصغارهم بالقتل فاستبقهم لعملنا وخدمتنا أن يستحيوا في عام ويقتلوا في عام فولد هارون في عام الاستحياء وموسى في عام القتل. وطال بفرعون العمر حتى حكى النقاش أنه عاش أربعمائة سنة وكان دميمًا قصيرًا. وكان أول من خضب بالسواد. وعاش موسى مائة وعشرين سنة.
قوله: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ استُضْعِفُواْ فِي الأَرْضِ} فيهم قولان:
أحدهما: بنو إسرائيل، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: يوسف وولده، قاله علي رضي الله عنه.
{وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمََّةً} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: ولاة الأمر، قاله قتادة.
الثاني: قادة متبوعين، قاله قتادة.
الثالث: أنبياء لأن الأنبياء فيما بين موسى وعيسى كانوا من بني إسرائيل أولهم موسى وآخرهم عيسى وكان بينهما ألف نبي، قاله الضحاك.
{وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ} فيه قولان:
أحدهما: أنهم بعد غرق فرعون سبَوا القبط فاستعبدوهم بعد أن كانوا عبيدهم فصاروا وارثين لهم، قاله الضحاك.
الثاني: أنهم المالكون لأرض فرعون التي كانوا فيها مستضعفين. والميراث زوال الملك عمن كان له إلى من صار إليه، ومنه قول عمرو بن كلثوم:
ورثنا مجد علقمة بن سيف ** أباح لنا حصون المجد دينا

اهـ.

.قال ابن عطية:

{طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)}.
تقدم القول في الحروف التي في أوائل السور بما أغنى عن الإعادة، فمن قال إن هذه الحروف من أسماء الله تعالى قال إن الطاء من الطول الذي لله تعالى والسين من السلام والميم من المنعم أو الرحيم ونحو هذا، وقوله تعالى: {تلك} يتقدر موضعها بحسب كل قول من الأقوال في الحروف، فمن جعل {طسم} مثالًا لحروف المعجم جاءت الإشارة ب {تلك} إلى حروف المعجم، ومن قطعها قال: {تلك} في موضع هذه، وساغ هذا من حيث لم تكن حاضرة عتيدة بل هي أقوال ينقضي بعضها شيئًا فشيئًا فسائغ أن يقال في الإشارة إليها {تلك}.
قال القاضي أبو محمد: والأصل أن {تلك} إشارة إلى ما غاب و{هذه} إشارة إلى ما حضر، وقد تتداخل متى كان في الغيبة حصول وثقة به تقوم مقام الحضور- ومتى كان في الحضور بعدما يقوم مقام الغيبة فمن ذلك قوله تعالى: {وما تلك بيمينك يا موسى} [طه: 17] لما كان موسى لا يرى ربه تعالى، فهو وعصاه في منزل غيب، فساغ ذلك، ومن النقيض قول المؤلف لكتاب ونحوه هذا كتاب وما جرى هذا المجرى فتتبعه فهو كثير فيشبه في آياتنا هذه أن تكون {تلك} بمنزلة هذه {آيات الكتاب المبين} ويشبه أن تكون متمكنة من حيث الآيات كلها وقت هذه المخاطبة لم تكن عتيدة، و{نتلو} معناه نقص ونتابع القصص، وخص تعالى بقوله: {لقوم يؤمنون} من حيث هم المنتفعون بذلك دون غيره فخصوا تشريفًا، و{علا في الأرض} من علو الطغيان والتغلب، وقوله: {في الأرض} يريد في أرض مصر وموضع ملكه، ومتى جاءت {الأرض} هكذا عامة فإنما يراد بها الأرض التي تشبه قصة القول المسوق لأن الأشياء التي تعم الأرض كلها قليلة والأكثر ما ذكرناه، والشيع: الفرق، وكان هذا الفعل من فرعون بأن جعل القبط ملوكًا مستخدِمين، وجعل بني إسرائيل عبيدًا مستخدَمين، وهم كانوا الطائفة المستضعفة، و{يذبح} مضعف للمبالغة والعبارة عن تكرار الفعل، وقال قتادة كان هذا الفعل من فرعون بأنه قال له كهنته وعلماؤه إن غلامًا لبني إسرائيل يفسد ملكك، وقال السدي: رأى في ذلك رؤيا- فأخذ بني إسرائيل يذبح الأطفال سنين فرأى أنه يقطع نسلهم، فعاد يذبح عامًا ويستحيي عامًا، فولد هارون في عام الاستحياء وولد موسى في عام الذبح، وقرأ جمهور القراء {يُذبح} بضم الياء وكسر الباء على التكثير، وقرأ أبو حيوة، وابن محيصن بفتح الياء وسكون الذال، قال وهب بن منبه: بلغني أن فرعون ذبح في هذه المحاولة سبعين ألفًا من الأطفال، وقال النقاش، جميع ما قتل ستة عشر طفلًا.
قال الفقيه الإمام القاضي: طمع بجهله أن يرد القدر وأين هذا المنزع من قول النبي عليه السلام «فلن تقدر عليه» يعني ابن صياد، وباقي الآية بين.
{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)}.
المعنى يستضعف فرعون ونحن نريد أن ننعم ونعظم المنة على أولئك المستضعفين، والأئمة ولاة الأمور قاله قتادة {ونجعلهم الوارثين} يريد أرض مصر والشام، وقرأ الأعمش {ولنمكن} بلام، وقرأ الجمهور {ونُرِيَ فرعون} بضم النون وكسر الراء وفتح الياء ونصب فرعون، وقرأ حمزة والكسائي {ويرَى} بالياء وفتح الراء وسكون الياء على الفعل الماضي وإسناد الفعل إلى {فرعون} ومن بعده والمعنى ويقع فرعون وقومه وجنوده فيما خافوه وحذروه من جهة بني إسرائيل وظهورهم، {وهامان} هو وزير فرعون وأكبر رجاله، فذكر لمحله من الكفر ولنباهته في قومه فله في هذا الموضع صغار ولعنة لا شرف. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {طسم} تقدّم الكلام فيه.
{تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين} {تِلْكَ} في موضع رفع بمعنى هذه تلك و{آيَاتُ} بدل منها.
ويجوز أن يكون في موضع نصب ب {نَتْلُو} و{آيَاتُ} بدل منها أيضًا؛ وتنصبها كما تقول: زيدًا ضربت.
و{الْمُبِينِ} أي المبين بركته وخيره، والمبين الحق من الباطل، والحلال من الحرام، وقصص الأنبياء، ونبوّة محمد صلى الله عليه وسلم.
ويقال: بان الشيء وأبان اتضح.
{نَتْلُواْ عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ موسى وَفِرْعَوْنَ بالحق لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ذكر قصة موسى عليه السلام وفرعون وقارون، واحتج على مشركي قريش، وبيّن أن قرابة قارون من موسى لم تنفعه مع كفره، وكذلك قرابة قريش لمحمد، وبين أن فرعون علا في الأرض وتجبّر، فكان ذلك من كفره، فليجتنب العلوّ في الأرض، وكذلك التعزز بكثرة المال، وهما من سيرة فرعون وقارون.
{نَتْلُواْ عَلَيْكَ} أي يقرأ عليك جبريل بأمرنا {مِن نَّبَإِ موسى وَفِرْعَوْنَ} أي من خبرهما و{من} للتبعيض و{مِنْ نَبَإ} مفعول {نَتْلُو} أي نَتْلو عليك بعض خبرهما؛ كقوله تعالى: {تَنبُتُ بالدهن} [المؤمنون: 20].
ومعنى: {بِالْحَقِّ} أي بالصدق الذي لا ريب فيه ولا كذب.
{لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي يصدّقون بالقرآن ويعلمون أنه من عند الله؛ فأما من لم يؤمن فلا يعتقد أنه حق.
قوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرض} أي استكبر وتجبّر؛ قاله ابن عباس والسّديّ.
وقال قتادة: علا في نفسه عن عبادة ربه بكفره وادعى الربوبية.
وقيل: بملكه وسلطانه فصار عاليًا على من تحت يده.
{فِي الأَرْضِ} أي أرض مصر.
{وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} أي فرقًا وأصنافًا في الخدمة.
قال الأعشى:
وبلدة يَرْهَبُ الجوَّابُ دجلتَها ** حتى تراه عليها يَبْتَغي الشِّيعَا

{يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ} أي من بني إسرائيل.
{يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ المفسدين} تقدّم القول في هذا في البقرة عند قوله: {يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} [البقرة: 49] الآية؛ وذلك لأن الكهنة قالوا له: إن مولودًا يولد في بني إسرائيل يذهب ملكك على يديه، أو قال المنجِّمون له ذلك، أو رأى رؤيا فعبِّرت كذلك.
قال الزجاج: العجب من حمقه لم يدر أن الكاهن إن صدق فالقتل لا ينفع، وإن كذب فلا معنى للقتل.
وقيل: جعلهم شيعًا فاستسخر كل قوم من بني إسرائيل في شغل مفرد.
{إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} أي في الأرض بالعمل والمعاصي والتجبر.
قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا فِي الأرض} أي نتفضل عليهم وننعم.
وهذه حكاية مضت.
{وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} قال ابن عباس: قادة في الخير.
مجاهد: دعاة إلى الخير.
قتادة: ولاة وملوكًا؛ دليله قوله تعالى: {وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكًا} [المائدة: 20].
قلت: وهذا أعمّ فإن الملِك إمام يؤتم به ويقتدى به.
{وَنَجْعَلَهُمُ الوارثين} لملك فرعون؛ يرثون ملكه، ويسكنون مساكن القبط.
وهذا معنى قوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الحسنى على بني إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ} [الأعراف: 137].
قوله تعالى: {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرض} أي نجعلهم مقتدرين على الأرض وأهلها حتى يُستولَى عليها؛ يعني أرض الشام ومصر.
{وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا} أي ونريد أن نري فرعون.
وقرأ الأعمش ويحيى وحمزة والكسائي وخلف: {وَيَرَى} بالياء على أنه فعل ثلاثي من رأى {فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا} رفعًا لأنه الفاعل.
الباقون {نُرِيَ} بضم النون وكسر الراء على أنه فعل رباعي من أرى يُرِي، وهي على نسق الكلام؛ لأن قبله {وَنُرِيدُ} وبعده {وَنُمَكِّنَ}.
{فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا} نصبًا بوقوع الفعل.
وأجاز الفراء {وَيُرِيَ فِرْعَوْنَ} بضم الياء وكسر الراء وفتح الياء بمعنى ويري الله فرعون {مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ} وذلك أنهم أخبروا أن هلاكهم على يدي رجل من بني إسرائيل فكانوا على وجل: {مِنْهُمْ} فأراهم الله {مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}.
قال قتادة: كان حَازيًا لفرعون والحازي المنجم قال إنه سيولد في هذه السنة مولود يذهب بملكك؛ فأمر فرعون بقتل الولدان في تلك السنة.
وقد تقدّم. اهـ.